إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 13 فبراير 2014

الجيل الثالث لإيديولوجيا الثورة

لا يسعنا، في ذكرى انتصار الثورة  الإسلامية في إيران، سوى أن نستذكر قول الإمام الخميني:  "الاسلام هو دين المجاهدين الذين يريدون الحق والعدل، دين الذين يطالبون بالحرية والاستقلال والذين لا يريدون أن يجعلوا للكافرين على المؤمنين سبيلا" (الحكومة الاسلامية -1989– ص 8).
كلماتٌ قصارٌ كفيلةٌ لتستنبط منها إيديولوجيا الدولة الجديدة وروح إسلامها ومبادئه، ولترسم بذهنك وبالخط العريض والواضح سياسة "الجمهورية الإسلامية في إيران". هذه الجمهورية  الفتية والناشئة في أواخر القرن الماضي، وعلى الرغم من صغر سنها، أثبتت قدراتها في المجالات الداخلية، الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والسياسية والعلمية، وحتى خارجياً في صراعاتها وفي صناعة توازن الرعب وفي تبنيها لمستضعفي العالم.
ومما لا شكّ فيه أنّ هذه الدولة اليافعة قد استطاعت أن تتبنى قضيةً "أكبر منها" في التاريخ العالمي، وأن تصبح أمها واليد التي ترعى ثوارها وتتبنى قضاياهم وتهز مهدهم. فصدى هذه الثورة الخمينية قد سُمع في أزقة القدس وعواصم المستضعفين، قبل أن يُسمع في طهران، لتستفيق فلسطين على خطابٍ جديد، خطاب شهيدها الناصري الدكتور فتحي الشقاقي الذي فهم روح هذه الثورة ورأى فيها يد الخلاص، وانطلق بقلمه ينشد فيها بأنها "رحلة الدم الذي هزم السيف" (آذار 1982)، وليلتقي مع أفكار الإمام الخميني بأن فلسطين لن تتحرر إلا إذا غدت الأرض كلّها ساحة حرب ضد الطاغوت (قول للشقاقي بتصرف).
ولتستنفر المطابع العربية، ولتحتشد أحرف لغة الضاد مزهوةً في كتاب للشقاقي اسماه "الخميني.. الحل الإسلامي والبديل"، ليكون أول كتاب باللغة العربية يتحدث عن الثورة الإسلامية الإيرانية، ولكن باللهجة الفلسطينية العربية المناضلة والمكافحة منذ سنين.. وليكون مسماراً في نعش الرجعية العربية والاعتدال الخائن المساوم، وسبباً لاعتقال الشقاقي ومبيته في السجون المصرية لأيام وأيام.
فعلى الرغم من مرور عشرات السنين على تلك الثورة المجيدة، إلا أنه، وكما يؤكد لنا أحد الشباب الجامعي الإيراني، "على الرغم من أن بلد الـ 80 مليون ليس كله ثورياً، إلا أن زخم الثورة مازال كما هو منذ الطلقات الأولى... والإيمان بإيران الحرة والثورية وسياستها الخارجية هو إيمانٌ متجذّرٌ وفلاذي، مرجعه التسليم للقيادة الحكيمة  المتمثلة بخط السيد الخامنائي – الخميني... فمسيرات يوم القدس إلى يومنا هذا، والمشاركات الكثيفة في الاستفتاءات الدورية خير دليلٍ على ذلك... كما أنّ تمسكنا بالقضية الفلسطينية كتمسك الإمام الخميني بها".
فمن السهل إذاً الثناء على قول الدكتور رفعت صاحب كتاب "رحلة الدم الذي هزم السيف"، والذي قدمه له السيد محمد حسين فضل الله والشيخ البوطي، كنموذجٍ وتعريف للمقاومة، حيث اعتبر أنّه "من الإنصاف العلمي أن نقول إنّ الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي تأثر إيجابياً بحدث الثورة الإسلامية في إيران... ومن الإنصاف القول بأنّ إيران الثورة قد تأثّرت بالشقاقي أيضاً وأحبته، ولعلّ بيان نعي قائد الثورة السيد الخامنئي بعد علمه باستشهاد الدكتور فتحي يؤكد الموقع المتميز الذي كان يحتله في قلوب قادة الثورة بل والشعب الإيراني بأسره".
كل هذا جزءٌ يسيرٌ من رذاذ الطوفان الخميني العالمي، الذي تخطى أقطار الوطن الفارسي ليشمل كل العالم دون استثناء. وعلى الرغم من أنه أثمر في شتلات البن في أمريكا اللاتينية، وفي نخل شبه الجزيرة العربية، وفي شتلات التبغ الجنوبية اللبنانية، وفي سمرة القارة الإفريقية،  إلا أنّ هناك من يوهم نفسه بأنّ كلّ هذه الانجازات وهمٌ لأنها لا تعبر عن الرأي العام الإيراني، ولا تمثّل الهوية الفارسية الضاربة في التاريخ منذ آلاف السنين. لكن هذا الكلام هو محض افتراءٍ وسراب، يُراد به كسر العزيمة الداخلية وإضعاف الإجماع على صلاح التجربة الإيرانية كنموذجٍ فعّالٍ في الميدان الإنساني.
استعراضٌ آخر لبعض آراء الشباب الجامعي الإيراني، كفيلٌ باستخلاص عدة أفكارٍ تؤكد ما سلف، وتزيد عليه.
فلدى سؤال السيد مطهري (في كلية الهندسة الميكانيكية) عن كيفية حماية هذه الثورة والمحافظة عليها، صرّح بأنه من أهم وأول المرتكزات الثورية الإسلامية هو الحفاظ على الأصول الإسلامية، وإثبات تقدمه وريادته من خلال التطور في كافة المجالات، وهذا ما يحتاج إلى التطور العلمي والثقافي والفكري الذي يعتبر السبيل الوحيد لمواجهة الحرب الناعمة. وأضاف قائلاً إنّ الارتباط بالجمهورية الإسلامية الإيرانية يتعدى الانتماء المذهبي الشيعي لغالبية الشعب الإيراني، وحتى القومي، إلى الجوهر الإنساني الإسلامي. فالثورة، بنظره، قامت على المبادىء الإنسانية وعلى الدفاع عن المستضعفين وعلى قيم الحرية والمساواة.
وأنهى السيد مطهري قوله بأن الخطر يكمن في سياسة إفقار الشعب الإيراني المتعمدة من قبل دول الاستكبار، المتمثلة بالحصار الاقتصادي ومقاطعة إيران في مختلف الميادين، وكل ذلك، بحسب رأيه، من أجل إلهاء الشعب الإيراني عن التزود بالقيم الثورية، وأضاف أنّ مكافحة هذا الخطر تكون بمحاربة الفساد وبالقيادة الحكيمة.
في المقلب الآخر، رأى السيد صفتري، "الروحاني الهوى" من طهران، بأنّ الحصار الاقتصادي ساهم في جوهرة الشباب الإيراني وجعله أكثر قوةً وتصميماً، وذلك في معرض ردّه على سؤالنا عن عزيمة الشباب في ظل الحصار والحرب الناعمة. وعلق قائلا: "في إيران، الكثير يرجعون المشاكل الداخلية وقضايا الفساد إلى إعطاء الأهمية الكبرى لسياسة معاداة الغرب، وإنهم ينتقدون القائد في بعض سياساته، لكنهم يحبون بلادهم ونظامها الإسلامي ويلتزمون بقوانينها ويكنّون الاحترام والمحبة للقائد بصفته وصي الإمام الخميني، وبصفته المرشد الأعلى بنص دستور بلادهم الشرعي.


هذا وأكد السيد رسول إسماعيلي، من منطقة كناباد بخرسان، بأنه وإن تعددت السياسات الخارجية واختلفت، وأبدت مرونةٌ ما، إلا أنها لن تتحرك خارج إطار الثورة ومصالحها وأصالتها، بل سوف تبقى تحت كنف قائدها الخامنائي، الخميني الهوى.
أما بالنسبة للسيد علي من الأهواز، فقد جاءت إجاباته على الأسئلة السابقة بما يؤكد أن الشعب الإيراني كان يتحلى، منذ القدم، بالقيم الإسلامية، وأنّ وصول الثورة الإسلامية وتثبيت نظامها كان فرصةً لتثبيت هذه القيم وللحفاظ على تاريخ إيران الذي أصبح معروفاً وأكثر انتشاراً بفضل هذه الجمهورية المنفتحة على العالم كله. واعتبر أنّ الانتماء للثورة الإيرانية هو إيمانٌ راسخٌ ونابعٌ من القيادة الحكيمة لهذه الجمهورية التي عززت بفضائلها وسلامة حكمها فكرة المواطنة والعدل الاجتماعي، بالإضافة إلى الأفكار الثورية عند الجيل الصاعد الذي لم يعاصر جيل الثورة. وختم السيد علي قائلاً إنّ الشعب الإيراني مؤمنٌ بقدراته وشبابه وبإنجازاته التي حققها حتى يومنا هذا، وإنّ هذا ما يدفعه إلى العمل والمثابرة والتحمل، والحركة التصاعدية لعلومه دليلٌ قاطع على ذلك.


بيعة  الدم
"فعندما أدخلني الصهاينة إلى الزنزانة الصهيونية، وكنت أنزف يومها، بدأت بكتابة اسم "روح  الله" الخميني على جدار الزنزانة بالدم النازف.. هذه هي علاقتي بالإمام الخميني الراحل، لقد تعمدت بالدم والجهاد وبالتضحية". إن كان هذا حال الشهيد الشقاقي المعتنق للمذهب الجهادي الخميني، فكيف حال أبناء جلدة هذه الثورة؟ كيف حال أبناء من تخضّبت ساحات إيران بدمائهم؟!



                       *صورة الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي

»  بلال نور الدين
اللهم عجل لوليك الفرج