إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 19 نوفمبر 2016

عائد الى حيفا

استعملت كل الحجج المنطقية لأقنعها بعدالة القضية الفلسطينية، صور عن الانترنت، شرح ظروف اللاجئين، اوضاع المخيمات المزرية. كل ذلك كان عبثا، كانت مشرفة الدكتوراه الفرنسية بمنتهى الدماثة واللطف، تتحدر من جد يوناني مهاجر، ذكية ومقربة من الحزب الاشتراكي الفرنسي. رغم كونها ملحدة على الصعيد الايماني، كانت تتحول فجأة الى حاخام حين نناقش موضوع فلسطين: ارض الميعاد (terre promise) وشعب الله المختار (peuple élu)، وحين يحتد النقاش قليلا، كانت تطيب خاطري بأن ما اقوله قد يكون نسبيا صحيح، لكن لا يجوز مقارنته بأي طريقة بالهولوكست، وأن كسبي لأي نقطة في هذا النقاش يعني الانقضاض على مبادىء الجمهورية التي تعلمتها هي واولادها في المدرسة. كنت اتسوق مرة في ال fnac وهو محل معروف لبيع الكتب، وقع نظري على كتاب غسان كنفاني مترجما الى الفرنسية، عائد الى حيفا (retour à Haifa). لمعت في ذهني فكرة ان أغير التكتيك: في هذه القصة لقطة مزلزلة على الصعيد الانساني سأذكرها بعد قليل*. كان عيد ميلاد زوجها في اليوم التالي، وقررت أن اشتري له كتاب غسان كنفاني كهدية. نسينا الموضوع لاسابيع عديدة، وفجأة على استراحة الغداء قالت لي: لقد كنت السبب في بكائنا البارحة، انا وفرانسوا. استغربت قليلا، فأضافت، لقد ابكتنا قصة ريش الطاووس، امضينا قسما من الليل نفكر بها، il est sympa ton Ghassan Kanafani (غسان كنفاني خاصتك لطيف)، وأظن ان الفلسطينيين ايضا على درجة كبيرة من المظلومية. لم تكن تعرف ان غسان سقط مضرجا بدمه في شارع من شوارع بيروت، لكني تمنيت لو كنا الفا في ال fnac في تلك الساعة، لنهدي الكتاب لألف من الفرنسيين، نخاطب القلب حين نعجز عن مخاطبة العقل بالحجة والدليل، وعرفت ايضا خطورة كتاب مثل غسان كنفاني، وكيف يبقى هؤلاء طليعيين وحداثيين حتى بعد مرور نصف قرن تقريبا على رحيلهم.
*قصة ريش الطاووس لمن لا يعرفها بإختصار: يعود بطل القصة سعيد الى بيته الذي احتلته عائلة اسرائيلية في حيفا، وليرى ابنه الذي كان اسمه خلدون وصار اسمه دوف وقد تركه مرغما عند احتلال حيفا. يتفقد الاثاث، الذي بقي على حاله، ويقول للمرأة الاسرائيلية امامه ان ريش الطاووس في المزهرية كانت سبعة من عشرين عاما وهي خمسة الآن، فتجيبه بأنها لم تعدها يوما....في اشارة الى الطارىء والاصيل على تلك الارض.
محمد ناصر الدين 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق